
مسقط –شهدت سلطنة عُمان خلال الأعوام الخمسة الماضية تحولات
نوعية في المشهد الاستثماري، مكّنتها من تعزيز جاذبيتها على خارطة الاستثمارات
العالمية، ورفعت من مستوى الثقة في البيئة الاقتصادية والمالية للسلطنة.فمن خلال إصدار قانون استثمار رأس المال
الأجنبي الذي يتيح التملك بنسبة 100% للمستثمر الأجنبي، إلى جانب تطوير البنية
الأساسية من مطارات وموانئ وطرق، وتوفير مناطق اقتصادية وخاصة وحرة مدعومة بحوافز
تنافسية، أصبحت سلطنة عُمان أكثر جاهزية لاستقبال الاستثمارات النوعية. كما تواكب
ذلك مع تحول رقمي شامل في عدد من الجهات الحكومية، من أبرزها بوابة “بيان” التابعة
للإدارة العامة للجمارك، ومنصة “طاقة” الاستثمارية لوزارة الطاقة والمعادن، ما
يعكس التقدم التقني والإداري الذي يشهده القطاع العام.
في السياق نفسه، تبوأت سلطنة
عُمان مكانة رائدة في التوجه العالمي نحو الاستدامة، حيث أطلقت مركز عُمان لتحقيق
الحياد الصفري بحلول 2050، والذي يتولى إصدار الشهادات الكربونية والهيدروجينية،
وإدارة برامج تداول الانبعاثات، بما في ذلك الأسواق المحلية والدولية للكربون، ما
يعزز من مكانة السلطنة في أسواق الطاقة النظيفة.
وقد ساهمت هذه الإصلاحات والسياسات المتكاملة في تحقيق مؤشرات إيجابية على مستوى الاقتصاد الكلي، حيث يُتوقع أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي نمواً بنسبة 3.4% في عام 2025، مقارنة بـ 2.4% في الولايات المتحدة و1.2% في منطقة اليورو. كما استردت سلطنة عُمان تصنيفها الائتماني الاستثماري بعد سبع سنوات من الغياب، مع رفع التصنيف من قبل وكالة ستاندرد آند بورز إلى BBB- مع نظرة مستقبلية مستقرة، مما يعكس متانة الإصلاحات الاقتصادية والمالية المنفذة، ويعزز ثقة المستثمرين الدوليين في السلطنة.
وبلغ إجمالي رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر بنهاية الربع الثالث من عام 2024 نحو 26.6 مليار ريال عُماني (68.9 مليار دولار أمريكي)، بزيادة قدرها 16.2% عن نفس الفترة من العام السابق، لا سيما في قطاعات الطاقة والصناعة واللوجستيات، وهو ما ساهم في تعزيز نمو المشاريع وتوفير فرص العمل للشباب العُماني.
وفيما يتعلق بالقطاعات الواعدة، فإن الطاقة المتجددة تبرز كأولوية استثمارية لما تمتلكه السلطنة من وفرة في مصادر الشمس والرياح والأراضي، مما يمهد الطريق لإنتاج الهيدروجين الأخضر، حيث تهدف السلطنة إلى إنتاج مليون طن سنويًا بحلول 2030، و8.5 مليون طن بحلول 2050، ما يفتح المجال أمام فرص استثمارية متنوعة تشمل تصنيع التوربينات والألواح الشمسية والخدمات اللوجستية المصاحبة.
كما تشمل القطاعات ذات الأولوية الصناعات التحويلية خاصة المرتبطة بالفولاذ الأخضر، والسياحة البيئية والمغامرات، وتطوير سلاسل التبريد واللوجستيات الإلكترونية، ومعالجة المعادن، والصناعات الغذائية وتربية الأحياء المائية، فضلًا عن مشاريع الاقتصاد الدائري مثل محطات الوقود الحيوي ومرافق إعادة التدوير، ومنها مشروع “Evergreen Gulf” في صلالة، ومركز معالجة النفايات الصناعية في صحار.
وفي بادرة تعكس انخراط السلطنة في القطاعات المستقبلية، دشنت سلطنة عُمان أولى خطواتها في قطاع الفضاء بإطلاق مشروع “دقم-1” الفضائي، مستفيدة من موقعها الجغرافي المتميز، إلى جانب إنشاء منطقة متخصصة بالذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار ضمن المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم.
أما على مستوى الاستثمارات الدولية، فقد شهدت السلطنة دخول مشاريع من دول متنوعة مثل إيران، وفرنسا، وإندونيسيا، إضافةً إلى مشاريع محلية بارزة مثل مركز “نيم” لصحة المرأة بقيمة 6 ملايين ريال عُماني، مع ملاحظة توسع الدول الشريكة التقليدية – مثل الهند والصين – في مجالات جديدة تشمل الطاقة النظيفة والتعدين. وتعتبر شركة ACME الهندية بالتعاون مع YARA النرويجية من أبرز المستثمرين في مشروع الهيدروجين الأخضر، إلى جانب مشروع منتجات مصابيح الملح في الدقم.
وتواصل الاستثمارات الأوروبية والأمريكية حضورها الفاعل، خاصة في قطاعات الطاقة المتجددة، حيث تشارك شركات دنماركية وبريطانية في مشاريع عملاقة مثل “أمنه للهيدروجين الأخضر” بقيمة 6 مليارات دولار أمريكي، فيما تواصل المملكة المتحدة توسعها باستثمارات وصلت إلى 5.5 مليار دولار، منها مشاريع تعدينية واتصالات كبرى.